Blogger templates

Wednesday, October 31, 2012

العزيز الحكيم




قد وعدت بعض إخواني و أخواتي أني سأكتب موضوعا عن قاعدة مهمة لجلب السعادة فقررت أن أكتب عنها. كثيرا ما نجد في القرآن 
اقتران اسم الله "العزيز" و "الحكيم" في ختام الآيات و خاصة تعقيبا على سياق يكون مناسبا أن يختتم باسم الله العزيز و الحكيم. و عندي شخصيا قاعدة أسميها قاعدة "العزيز الحكيم" و لهذه القاعدة فوائد لا يحصيها إلا الله و لكني أذكر بعضا منها. قبل الشروع في ذكر الفوائد أحب أن أشرح لكم معنى العزيز و الحكيم.

العزيز في اللغة من فعل عزَ يعزُ و هو الغالب القوي الذي لا يقهر، منيع الجانب. و هو الذي لا مثيل له ولا مشابه له ولا نظير له و هو النادر الذي يقل وجوده و العزيز من له العزة . قال إمام المفسرين ابن جرير الطبري رحمه الله: "هو القوي الذي لا يعجزه شيء أراده" و قال بعض العلماء: "هو الغالب القاهر ، أو ما يمتنع الوصول إليه". و قال الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله: "العِزَّةُ كُلُّهَا لهُ سبحانَهُ وَصْفاً وَملكاً، وهوَ العزيزُ الذي لا شَيْءَ أَعَزُّ منهُ، ومَنْ عَزَّ منْ عبادِهِ فَبِإِعْزَازِهِ لهُ" و قال أيضا: "والعِزَّةُ تَتَضَمَّنُ كمالَ قدرتِهِ وقوَّتِهِ وقَهْرِهِ, فاسْمُهُ العزيزُ يَتَضَمَّنُ المُلْكَ" و منهم من قال: "العزيز اسم من أسماء الله الحسنى (الذى يقل وجود مثله. وتشتد الحاجة اليه. ويصعب الوصول اليه) وإذا لم تجتمع هذه المعانى الثلاث لم يطلق عليه اسم العزيز، كالشمس : لا نظير لها .. والنفع منها عظيم والحاجة شديدة اليها ولكن لا توصف بالعزة لأنه لا يصعب الوصول الى مشاهدتها"

أما الحكيم فهو المتصف بالحكمة, أي الذي يضع الشيء في موضعه, و هو الذي بهرت حكمته الألباب. الحكيم: الذي لا يدخل تدبيره خلل ولا زلل و أيضا الحكيم الذي له الحكم. قال الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله: "اسمُ ((الحكيمِ)) منْ لوازمِهِ ثبوتُ الغاياتِ المحمودةِ المقصودةِ لهُ بأفعالِهِ، ووضعُهُ الأشياءَ في موضعِهَا، وإيقاعُهَا على أحسنِ الوجوهِ" و قال: "فإنَّهُ سبحانَهُ حكيمٌ، لا يَفْعَلُ شيئاً عَبَثاً ولا لِغَيْرِ مَعْنًى ومصلحةٍ وحكمةٍ هيَ الغايَةُ المقصودةُ بالفعلِ، بلْ أَفْعَالُهُ سبحانَهُ صادرةٌ عنْ حكمةٍ بالغةٍ لأجلِهَا فَعَلَ" و قال أيضا: "الحكيمُ الذي إذا أَمَرَ بأمرٍ كانَ حسناً في نفسِهِ، وإذا نَهَى عنْ شيءٍ كانَ قَبِيحاً في نَفْسِهِ، وإذا أَخْبَرَ بِخَبَرٍ كانَ صَادِقاً، وإذا فَعَلَ فِعْلاً كانَ صَوَاباً، وإذا أَرَادَ شَيْئاً كانَ أَوْلَى بالإرادةِ منْ غيرِهِ، وهذا الوصفُ على الكمالِ لا يكونُ إلاَّ للهِ وحدَهُ"

ربما تقول أيها القارئ الكريم, قد علمنا أن الله قد قرن بين الإسمين في أكثر من 20 موضعا في القرآن الكريم, لكن إلى الآن لم تخبرنا عن السبب في ذلك!؟ أسباب كثيرة لا يعلمها إلا الله و لكن أقول و بالله التوفيق هو حاجة نفوس البشر إلى ذلك. أما فائدة اسم "العزيز" فتخيل معي لاعب الشطرنج, يتحكم بالقطع و يحركها كيفما شاء فهو المالك و إن أراد أن يحطم القطع و يرمي بها فله ذلك, و لا تستطيع هذه الجمادات فعل شيء لدفع قوة الإنسان المحركة. فكذلك نحن البشر و لله المثل الأعلى, إن الله عزيز غالب على أمره و هو مليكنا, مهما كان الإنسان قويا فلن يستطيع مواجهة الله سبحانه و تعالى  بقوته, فالله يستطيع و له الحق أن يفعل بالإنسان ما شاء كيفما شاء متى ما شاء و أنت لا حول و لا قوة لك لدفع شيء من مشيئة الله. فإن قال الله لك افعل هذا و لا تفعل ذلك. بحكم أن الله هو العزيز عليك طاعته سواء شقّ عليك ذلك أم لم يشق و لا أحد يستطيع أن يلوم الله, فإنه هو المالك لنا, و لا مجال للمقارنة بين حالنا مع الله و حال قطع الشطرنج مع الإنسان, فالفرق أعظم من أن نتخيل, فالله عظيم لا يقارن بشيء من مخلوقاته. إذا أكرهك ملك عزيز أن تنفذ أمرا ما لا تعلم عواقبه, ستنفذه رغما عنك و ذلك لعزة الملك و أنه غالب على أمره و أنت لا قوة لك لدفع أمره, فتكون مضطرا لتنفيذ أوامره سواء سواء رغبت أو كرهت فعل ذلك. ربما تقول لهذا الملك: "لم تجبرني على فعل ذلك؟ لم لا ترحمني؟" و هكذا و ربما تنسب إلى هذا الملك الظلم.

و هنا يأتي دور الإسم الثاني و هو "الحكيم", و هو الذي يضع الشيء موضعه المناسب اللائق به. تخيل معي رجل حكيم يعرف التصرف في ماله و انفاقها في طرقها المشروعة الصحيحة المطلوبة, إن أردت أن تتصدق بمالك و لا تعلم أن تصرفها في مواضعها المطلوبة فإنك تعطيه لينفقها, و إن بذلت المال لغيرك فإنك لا تنزعج بل تكون مرتاح البال لأنك تعلم أن هذا الرجل حكيم سيضع المال في مواضعها المناسبة. و تخيل معي طبيب يعطيك الدواء الذي لا يعجبك لكنك لا تمانع من أخذه لأنك علمت أن هذا الدواء وضع للتخلص من الداء المعين, فيضع الطبيب الدواء في المحل المناسب و بهذا تشفى بإذن الله. نحن كبشر لا نتردد أبدا في استشارة الطبيب و أخذ الدواء لأننا نعلم العواقب الحميدة لفعلنا, فإننا نعلم أنه الشخص المناسب الذي يستطيع أن يصف لنا الدواء المناسب, و هذا بالرغم من قصور علم الطبيب و حكمته, فما بالك بالله الحكيم؟ الذي كما ذكرنا لا يضع الشيء إلا في موضعه المناسب. كون الله متصف بصفة الحكمة يعني ذلك أنه إذا أمر أو نهى أو قدّر أمرا فإن في ذلك من الغايات الحميدة التي يستحق أن يحمد عليها و لهذا نقول في كل حال "الحمدلله رب العالمين" لأنه يستحق أن يحمد في كل حال لحكمته في كل شيء.

و من فوائد قاعدة "العزيز الحكيم" عند قراءة القرآن الكريم, أنك تجد بعض الأحكام التي ربما تكرهها بعض النفوس السوية لجهلها بالله سبحانه و تعالى, فيختمها الله باقتران الإسمين العزيز الحكيم مثل قوله سبحانه و تعالى: ((وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)) فربما بعض ضعاف النفوس اليوم و خاصة من النساء تستنكرن هذه الدرجة و القوامة و يشق عليهن هذا الحكم من الله سبحانه و تعالى فنجد أن الله ختم الآية بالعزيز الحكيم. فإن قالت المرأة لم حكم الله في كتابه أن للرجال عليهن درجة؟ فإن قلت لها إنه عزيز يحكم ما يريد لعلها إن كانت جاهلة بقدر الله قالت, لم الله متحيز للرجال!؟ و لكن إن أضفت إلى اسم العزيز و قلت بأن الله مع عزته فهو حكيم, فهنا تطمئن نفس المرأة و لن يشق على قلبها هذا الحكم فإنها تعلم أن في ذلك غاية حميدة.

و اعتبروا بقصة ابراهيم عليه السلام مع زوجته هاجر حينما ترك أم اسماعيل في وادي غير ذي زرع ، فتبعته أم إسماعيل فقالت‏:‏ يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه أنيس ولا شيء‏؟‏ فقالت له ذلك مراراً، وجعل لا يلتفت إليها، قالت له‏:‏ آلله أمرك بهذا‏؟‏ قال‏:‏ نعم ، قالت‏:‏ إذاً لا يضيعنا. هاجر علمت بأنه أمر من الله و هي تعلم أن الله عزيز حكيم و أن له في ذلك الحكمة التامة و الغاية الحميدة فرضيت بذلك. قال الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله: "الحكمةُ منْ صفاتِهِ العُلَى، والشريعةُ الصادرةُ عنْ أمرِهِ مَبْنَاهَا على الحكمةِ، والرسولُ المبعوثُ بها مبعوثاً بالكتابِ والحكمةِ, فَكَمَا لا يَخْرُجُ مَقْدُورٌ عنْ علمِهِ وقُدْرتِهِ ومشيئتِهِ، فهكذا لا يَخْرُجُ عنْ حكمتِهِ وحمدِهِ"

مثال آخر, نجد في سورة المائدة يقول الله سبحانه و تعالى: ((وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)) فكثير من الناس و خاصة الليبراليون اليوم يشق عليهم هذا الحكم من الله و يتهمون الإسلام بالعنف و الوحشية. الله يعلم أن هناك نفوسا ضعيفة كنفوسنا فلعل ذلك إحدى اسباب اقتران اسم العزيز الحكيم كي تطمئن نفوسنا بأن هذا الحكم لم يصدر عن عبث و عزة محضة لكن لما فيها من الحكم و الغايات الحميدة. إنك إن جادلت كافرا بالله و أنكر على المسلمين قطع يد السارق, إن أجبته بأن الله عزيز يفعل ما شاء, فربما لن يكتفي و يقتنع بذلك و ربما يتّهم الله بالظلم و العبث كما اتهموه الجهّال من الكفار و الفسّاق من قبل لكن إن قلت له إن الله عزيز و حكيم فإنه لن يستطيع أن ينكر عليك. كيف ينكر على الله و قد علم أنه عزيز و حكيم؟ لا ينكر ذلك بعد العلم إلا جاحد كاره لله سبحانه و تعالى. ألا ترى أنك إن سألت أبا رحيما: "لم تعطي ابنك الدواء و هو يتأذى منه؟"  أجابك بأنه: "سيشفى بأخذ الدواء إن شاء الله" فإن أنكرت عليه فعله لاتهموك من حولك بالجنون! فكيف يليق بالإنسان أن ينكر على ربه و الله هو العزيز الحكيم, و لا مجال للمقارنة بين الله سبحانه و بين البشر.

و من فوائد استخدام قاعدة "العزيز الحكيم" أنك إن أصبت بمكروه أو سُلط عليك ظالم, إن تذكرت بأن الله هو العزيز القوي الذي غالب على أمره, و القوي الذي لا يغلب أمره و لا يهزم جنده و و هو منيع الجانب, علمت يقينا بأن هذا المخلوق لا شيء و أنه مخلوق تحت قهر الله و سلطانه. إن شاء أعزّه و إن شاء أذلّه, فلن تضعف أمام هذا الظالم لأنك تعلم أنه مخلوق ضعيف مثلك لكن الله هو القوي الذي لا يغلب فلا تتجرأ على مخالفة الله بالجزع بل تصبر لأنك تعلم يقينا بأن الله أقوى منه و إن لم يتب سيأخذه أخذ عزيز مقتدر عاجلا أم آجلا. و إن أضفت إلى هذا الإسم, اسم الحكيم علمت يقينا بأن هذا الظالم لم يُسلط عليك إلا لغاية محمودة الله يعلمها. فلا تنزعج نفسك بهذا الأمر بل تكون مطمئن القلب و البال, و كيف لا و في كل شيء له حكمة.

و فوائد هذه القاعدة كثيرة جدا و لا يستطيع إنسان كعبدالعزيز أن يحصي فوائد هذه القاعدة العظيمة, لكن يكفي أن نعلم ما ذكرت كي نعيش حياة سعيدة مطمئنة, فإنك إن تذكرت أن الله عزيز حكيم لم يشق عليك شيء بعدها, مهما حدث, مهما نجحت و وصلت و ملكت فإنك تعلم أن العزيز المطلق هو الله سبحانه و تعالى يستطيع في لحظة أن يذلك بعد عزك و إن كنت مذلولا فلا تيأس فإنك تعلم أنه الله هو الذي يعز من يشاء و يذل من يشاء و مهما صعب عليك قبول أمر ما ما عليك إلا أن تكون مع الله فإن كنت معه كنت عزيزا. مهما أصابك من مكروه من خسارة أموال و تجارة, أو فقدان عزيز أو مرض أو غير ذلك فإن في ذلك حكمة عظيمة. و ما ذكرت مجرد 
قطرة من بحر فوائد هذين الإسمين, والله سبحانه و تعالى أعلم.





No comments:

Post a Comment